محاضرة الدين والعقل للدكتور طه عبد الرحمان | الجزء 1

يناقش هذا الفيديو محاضرة للدكتور طه عبد الرحمن حول العلاقة بين الدين والعقل، وتحديدًا التركيز على الفصل المتصور بينهما في الفكر الإسلامي [03:52]. ويعرب عن سعادته بوجوده في جامعة الزيتونة، التي يصفها بأنها منارة للمعرفة في العالم الإسلامي [00:30].

ويحدد الدكتور عبد الرحمن الفصل الأولي بين الدين والعقل على أنه فصل بين العقل والشرع [04:19]. ويجادل بأن هذا الفصل، الذي غالبًا ما يُعامل كأمر بديهي من قبل الفقهاء والمفكرين المسلمين، تأثر بالفلسفة اليونانية [06:52]. ويوضح أن الفلاسفة اعتبروا المعرفة اليونانية نتاجًا للعقل الخالص، بينما كان الشرع يُنظر إليه على أنه منفصل عن الإنتاج العقلاني [08:19]. ويذكر أن هذا الرأي إشكالي لأنه يعني أن الخطاب الإلهي غير عقلاني [09:00].

ويوضح كذلك أن الفلاسفة اليونانيين أدخلوا تمييزًا بين “لوغوس” (الخطاب العقلاني، الجدلي للنخبة) و”ميثوس” (الخطاب الخيالي، السردي للجماهير) [10:00]. وباعتماد هذا التمييز، قلل الفلاسفة الإسلاميون من الشرع إلى مستوى “الميثوس” أو الخطاب البلاغي، مما يوحي بأن النصوص الدينية تستخدم الأمثال والقياسات لمجرد جعل المفاهيم المجردة مفهومة للجمهور [11:14]. ويرفض الدكتور عبد الرحمن هذا، مجادلًا بأن هذا الرأي يستند إلى الافتراض الخاطئ بأن العقل له مسار واحد فقط – وهو مسار اليونانيين [12:30].

ثم يتناول اعتراضًا ثانيًا على الفصل: القبول غير النقدي للتضاد بين الشرع والعقل [15:28]. ويدرس هذا التضاد من ثلاث زوايا:

• المصدر الأصلي والمحتوى الدلالي: فكرة أن العقل ينبع من البشر بينما الشرع ينبع من الله خاطئة، فالعقل البشري نفسه من الله، الذي خلق كليهما [16:20].
• المحتوى الدلالي: فكرة أن المحتوى العقلاني بشري بحت بينما المحتوى الديني إلهي بحت غير صحيحة أيضًا، فالبشر يفهمون المحتوى الديني بعقولهم [19:10]. ويقترح أن العقل البشري يمكن أن يتطور ليدرك الحقائق الدينية التي كانت في السابق بعيدة عن متناوله [19:58].
• طريقة التعبير: الاعتقاد بأن العقل يستخدم طريقة تعبير بشرية بحتة بينما الشرع يستخدم طريقة إلهية بحتة غير دقيق، فالنصوص الإلهية تستخدم طرق شرح بشرية تتماشى مع العقل، والبشر أيضًا يستخدمون طرق تعبير موجودة في النصوص الإلهية [21:43].

تؤدي هذه الاعتراضات إلى استنتاج أن العقل ليس أحاديًا؛ بل توجد مستويات مختلفة للعقل [24:04]. وكلما اقترب العقل من الشرع، كلما اقترب من فطرته الأصلية، الفطرة [24:20]. ويقدم مفاهيم “العقل المتحرر” (المنفصل عن الشرع) [26:08]، و”العقل الموجه” (الذي يستمد أهدافه من الشرع) [27:11]، و”العقل المدعم” (الذي يستمد الأهداف والوسائل من الشرع) [28:00].

ثم تنتقل المحاضرة إلى شكل آخر من أشكال الفصل: العقل والوحي [29:43]. ويتجلى هذا الفصل أيضًا بثلاث طرق:

• العقل كرأي مقابل الوحي: الرأي هو نتاج لنشاط العقل، وليس العقل نفسه، والعقل يتخلل جميع الملكات المعرفية [31:07]. الوحي، بمعناه العام، هو معرفة تُلهم للقلب [33:57]، وارتباطه الوثيق بالقلب يعني أنه مرتبط بعمق بالعقل الفطري [34:41]. وبمعناه الخاص، الوحي هو كلام إلهي يرسل إلى قلوب الأنبياء، مما يجعله عقلانيًا بطبيعته ووسيلة لرفع العقل [36:34].
• العقل مقابل النقل: الثنائية الإسلامية الشائعة “عقلي ونقلي” إشكالية [38:27]. فأي قول منقول يحتفظ بعقلانيته من مصدره [39:56]. علاوة على ذلك، يتم اكتساب الكثير من المعرفة البشرية من خلال النقل بدلاً من الاستدلال المباشر [41:00]. ويشير المتحدث إلى أن التضاد بين “الخبر” و”النظر” معيب أيضًا، فالخبر يمكن أن يكون شكلاً من أشكال النظر المنقول، والنظر غالبًا ما يعتمد على الخبر [43:26].
• العقل مقابل الوحي الخارجي: فكرة الوحي كظاهرة خارجية ومكانية هي بناء بشري يعتمد على التجربة الحسية [45:10]. يجادل المتحدث بأن الوحي ليس خارجيًا بالمعنى المكاني؛ بل هو حقيقة داخلية، أقرب إلينا من قلوبنا [45:55]. ويُعد التأكيد على أن الدين قوة خارجية غير عقلانية تتحكم في العقل ناتجًا عن الخلط بين الوحي الإلهي ومن ينقلونه، مثل السلطات الدينية [47:39]. في الواقع، يوجه الوحي العقل ويكمله، ويوفر معرفة الغيب، مما يثري الفهم العقلاني [49:38].